في الثالث عشر من تموز من عام 2005 فجر انتحاري سيارته المفخخة في منطقة بغداد الجديدة فقتل أكثر من ثلاثين طفلا. هذا اليوم أُقر يوما للطفل العراقي، هذا الكائن غير القادر على التعبير عن ذاته وعن مطالبه بشكل صحيح والمحروم من ابسط حقوقه كما يقول مراقبون.
بمناسبة هذا اليوم أطلق تقرير اليونيسيف الأخير جرس الإنذار معلنا حالة الخطر لواقع الطفل العراقي ما بعد الحرب على العراق واحتلاله، وكانت المؤشرات التي تحدث عنها السيد “أسكندر خان” ممثل المنظمة في المنطقة تفضح حجم الكارثة المحدقة بالعراق ومستقبل أجياله، فهي لا تقتصر على يومنا الحاضر، بل تتعداه للمستقبل وما سيواجهه من صعوبات صحية نفسية وتعليمية وسلوكية.
بمناسبة هذا اليوم أطلق تقرير اليونيسيف الأخير جرس الإنذار معلنا حالة الخطر لواقع الطفل العراقي ما بعد الحرب على العراق واحتلاله، وكانت المؤشرات التي تحدث عنها السيد “أسكندر خان” ممثل المنظمة في المنطقة تفضح حجم الكارثة المحدقة بالعراق ومستقبل أجياله، فهي لا تقتصر على يومنا الحاضر، بل تتعداه للمستقبل وما سيواجهه من صعوبات صحية نفسية وتعليمية وسلوكية.
فقد وصف تقرير منظمة اليونيسف التابعة للأمم المتحدة وضع الأطفال المقدر عددهم بـ 15 مليون طفل، بأنه “مأساوي”! وأن العراق اليوم أقل البلدان متوسطة الدخل ملائمة للحياة، وأشار إلى أن العراق حسب مسح أجرته المنظمة في ثمانينات القرن الماضي تصدر دول المنطقة حينها كأفضل بيئة واعدة للطفل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ووجد التقرير إلى أن 3.5 ملايين طفل يعيشون بفقر مدقع، ويعاني 1.5 طفل دون الخامسة من سوء التغذية الحاد، بينما يموت 100 طفل تقريبا كل يوم!
وتوصلت المسوحات التي قامت بها المنظمة إلى حقيقة كارثية أخرى عندما اكتشفت أن 77 % منهم لا يحصلون على الماء الآمن للشرب، بينما كان يتمتع به 87 % منهم في ثمانينات القرن الماضي بحصولهم على ما يكفيهم منه. ولتستكمل قتامة الصورة، ذكر التقرير أن 3 ملايين طفل لا تتوفر لديهم خدمات الصرف الصحي! وأن 360 ألفا منهم يعانون أمراضا نفسية نتيجة العنف اليومي والحرب، وأن 50 % من عدد الأطفال المذكور لا يذهبون للمدارس ويعيشون ظلام أميتهم؛ لانخراطهم في أعمال مبكرة لإعالة أسرهم الفقيرة، وأن 60 % منهم يعانون أمراض فقر الدم الحاد، كما لاحظت اليونيسف في تقريرها عن العراق ازدياد نسبة التشوهات الخلقية والأورام السرطانية بين الأطفال، خصوصا في المناطق التي شنت عليها قوات الاحتلال معارك مباشرة مستخدمة الأسلحة المحرمة دوليا مثل الفسفور الأبيض الذي قصفت به مدينة الفلوجة، والبصرة وصل حتى 65 % من الولادات الحديثة يموت، 60 % منهم قبل بلوغهم سن الخامسة من العمر!
وقد عومل التقرير بتجاهل رسمي وحكومي، فلم تهتم الحكومة للأرقام التي أعلنتها المنظمة بتقدير الخطر الحاصل ليس بحق حاضر العراق وحسب، وإنما مستقبله أيضا. ويبدو جليا أن الأمر لا يعني الحكومة شيئا إنْ نشأت أجيالنا أمية، فيما تتسابق الأمم على التنافس على تدريب أجيالها للمستقبل مبكرا، فلم تعد الأمم تقيس أميتها بتعلم الكتابة، فهذا أمر بديهي، وأنما بتعلم الخبرات التقنية كافة.
ولم يُعرالساسة المتوردة خدودهم من نعمة هبطت عليهم بمظلات الاحتلال، فانتفخت كروشهم وربْتْ حتى تكوروت، أي أهمية لجوع أطفال العراق المنسيين، فكم سيبدو سخيفا لهم إنْ ناقشوا عدد الأطفال الذين يموتون جوعا فيما هم منهمكون بمناقشة إنْ كان مبلغ 450 مليون دولار كافيا لنثريات ابن أخت رئيس الدولة في سفرته التي يعتزم القيام بها برحلة سياحة رسمية بالغة الخطورة!
وكم سيبدو معيبا لهم إنْ ناقشوا فكرة حصول الأطفال على الماء الأمن الصالح للشرب، في وقت يمكنهم فيه الاستحمام بمياه الشرب المعدنية!
ولماذا يعكرون صفو يومهم بتذكر الأم المنتحرة حزنا على رضيعها، وقد باعه من جوع والده لقاء 300 جنيه أسترليني؛ لأنه عجز عن إطعام أسرته، وكَفَ ثدي الأم عن إشباعه، لكنه باليوم الثالث لبيعه، وربما من شوقها له كان حليبها يدر مناديا فمه الصغير، فلم تحتمل مرارة حنانها لرضيعها، فقطعت أحشاءها بشربها قنينة مبيد حشرات؛ لتموت معاقبة نفسها، أو زوجها، أو حظها الفقير!
ساسة الحكومة الخضراء غير معنيين مطلقا بمناقشة تقارير اليونيسف؛ لأنها مغرضة وتتعمد أثارة الشغب؛ لأنها “إرهابية، أو بعثية”، فلن يدرجوا مثلا قضايا بيع الأطفال والإتجار بهم “للدعارة” أو بيع أحشائهم الداخلية حسب الطلب، فمثل هذه المواضيع، ستعكر صفو مزاجهم، وهو معتل بما يكفي بعد اختلافاتهم المتكررة لتقسيم المغانم والسلطات!
روى لي زميل سويدي كيف بكى شعبه لحال أطفال العراق بعدما عرض تلفزيونهم تقريرا أعده صحفي وصحفية سويدية عن الأوضاع المأساوية التي يعاني منها صغارنا، تسول، دعارة، أمية، مخدرات، عنف، وعمالة بظروف عمل خطرة. قال بكت ابنتي وهي تسألني: لماذا يجوع صغارهم؟ ثم جمعت الخبز ولعبها وطالبته بأرسالها لهم! لكن ساستنا لا يبكون يا صديقي: إنهم لا يعرفون أن صغارنا يموتون جوعاً، وعطشاً، ومرضاً!
الكارثة قادمة!
أجيال جاهلة في مجتمع يفقد أحساسه بالانتماء للحياة، يغرق بلا معنى الوجود أو جدواه، يكبُر أطفاله ضمن أخلاقيات أثابة القاتل على دم القتيل، والثناء على اللصوص، وترئيس الخونة، وتمجيد بائعي أوطانهم، أي أجيال ستكون، أي مجتمع ننتظر، وَيحَكُم.. ماذا أبقيتم للعراق.. وأيُ عراق أبقيتم لنا؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق